فضل وطريقة قيام الليل
قيام الليل تُعتبرُ صلاة قيام اللّيلِ من أعظمِ الطّاعات عند الله تعالى، وهي أيضاً
سرٌ من أسرار الطُمأنينة والرِّضا في قلب الإنسانِ المؤمن؛
إذ ترسم نوراً على وجه المؤمن، حيث إنّ الله عز وجلّ يَنزل
كلَ ليلة في الثُلثِ الأخير من اللّيل إلى السّماء ِالدُّنيا فيقول:
(هل من داعٍ فأستجيبُ لهُ هل من سائلٍ فأعطيهُ، هل من مستغفرٍ فأغفرُ له)
حتى يطلع الفجر. عذرا، لم يتمكّن مشغّل الفيديو من تحميل الملف. معنى قيامُ الليل يعرّف القيام في اصطلاح
الفقهاء بقضاء الليل بالصلاة والعبادة وغيرها ولو بساعة، وليس
شرطاً أن يكون مستغرقاً لمعظم الليل، ويرى ابن عباس -رضي الله
تعالى عنهما- أنّه يحصل بصلاة العشاء جماعةً والعزم على صلاة
الصّبح جماعة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلّى
العشاء في جماعة فكأنّما قام نصف اللّيل، ومن صلّى الصّبح في
جماعة فكأنما صلى الليل كله)،
وقيل: معنى القيام أن يكون مشتغلا معظم الليل بطاعة،
وقيل: ساعة منه، يقرأ القرآن، أو يسمع الحديث، أو يُسبّح،
أو يُصلّي على النّبي صلى الله عليه وسلم. عدد ركعات
صلاة قيام الليل ليسَ لصلاةِ قيام الليل ِعددٌ مخصوصٌ من الرَّكعات؛
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا
رأيت أن الصبح يدركك فأوتر بواحدة، فقيل لابن عمر: ما مثنى مثنى؟
قال: أن تسلم في كل ركعتين)، ولكن الأفضل أن يقتصر على إحدى
عشرة ركعة؛ أو ثلاث عشرة ركعة، وهذا فعل النبيّ عليه الصّلاة والسّلام،
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة
يسلِّم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة). وقد اختلف الفُقَهاء في
الأكثر من عدد ركعاتها، فقال الحَنَفيّة: أكثرُها ثماني ركعات، وقال المالكيّة
: أكثرُها اثنتا عشرة ركعة، وقال الشَّافعيَة: لا حصرَ لعدد رَكَعاتها،
وذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (الصَّلاَةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَمَنِ
اسْتَطَاعَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ فَلْيَسْتَكْثِرْ).. كيفية صلاة قيام الليل يُستحبُ
أن تُبدأَ صلاة قيام اللّيل بركعتين خفيفتين ثم تُكمَّل الصّلاة ركعتين
ركعتين لما ورد عن رسول الله، فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ - رضي
الله عنه - قَالَ: (صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ،
ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ هُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا،
ثُمَّ أَوْتَرَ، فَذَلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً)، وبذلك تُصلى صلاة القيام
رَكعتين رَكعتين، وذلك قول الجمهور من العلماء الشافعية، والحنابلة،
والمالكية، والعثيمين، وابن باز، وغيرهم من العلماء وقت صلاة
قيام اللّيل تبدأُ صلاةُ قيام اللّيل بعدَ انتهاء صلاةِ العشاء إلى طلوع الفجر
الثّاني، ويُفضّل أن تكونَ في الثّلث الأخير من اللّيل كما جاء في الحديث
الصّحيح إذ يقول النّبي عليه الصّلاة والسّلام: (أحَبُّ الصّلاة إلى الله
صلاة داود
عليه السّلام، وأحَبُّ الصّيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف اللّيل،
ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً ويُفطر يوماً)،يعني
ذلك أنّه
كان يصلّي السُدس الرّابع والسُدس الخامس، وإذا قام ففي الثّلث
الأخير
لما في ذلك فضل عظيم؛ لأنّ الله تعالى يَنزل إلى السّماء الدّنيا في هذا
الجزء
من اللّيل، إلا أنّها تجوز في أول الليل ووسطه وآخره أيضاً، كلّ ذلك
كما فعل
رسول الله عليه الصّلاة والسّلام، فعن أنس بن مالك قال: (ما كنا نشاء أن
نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل مصليًا إلا رأيناه، ولا نشاء
أن نراه نائمًا إلا رأيناه) الحكمة من قيام الليل كلّما زاد إيمانُ
العبد زادت رغبتُه في مناجاة ربه، والوقوفِ بين يديه، والتلذّذ بعبادته،
ولكي يتحقّق ذلك فرض الله -سبحانه- الصلوات الخمس، وجعل صلاة
التطوّع
من الشرائع والسنن من رحمته، وهنيئاً لمن حافظ عليها فله الأجر
والثواب
العظيم، ومن حكم صلاة الليل ما يأتي: صلاة قيام اللّيل دليلٌ على
صدق
العبد، ودليل مَحبّته لله سبحانه، ومن خلالها يُعظّم ربّه ويدعوه ويحمده
ويستغفره. صلاة قيام اللّيل تفيد العبد فتجعله أشدّ نشاطاً، وأتمّ إخلاصاً،
وأصفى ذهناً، وأكثر بركة، وثوابها أبلغ من أجر عبادة النّهار، قال الله تعالى:
(إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا).
أثبت الطبُّ أنّ السّهر المُعتدل يُساعد على الشّفاء من أمراضٍ كثيرة؛
فالمُخَ يُفرز مادّة مسكّنة للآلام في وقت السّهر أكثر من أي وقت آخر،
فكيف إذا كان السّهر في طاعة الله -سبحانه- صلاةً، ودعاءً، وتهجّداً،
وتضرُّعاً، وذكراً، وتسبيحاً، واستغفاراً، وتلاوةً للقرآن الكريم. حُكم صلاة
قيام الليل اختلف الفقهاءُ في حكم [قيام اللّيل إن كان مُستحبّاً، وبذلك قال
مالك، وهو المشهور عند باقي الفقهاءِ، لكن الاستحباب في حقّ العباد،
وأمّا في حقّه - صلّى الله عليه وسلم - فهو واجب، والواجب عليه - عليه الصّلاة والسّلام - أقلّه ركعتين، واحتجّوا بقوله تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك)،قالوا: فهذا صريح في عدم الوجوب. قال الآخرون: أمَرهُ بالتهجّد في هذه السّورة كما أمره في قوله تعالى: (يا أيّها المزمل * قم اللّيل إلا قليلا)،
ولم يجيء ما ينسخه عنه، قال مُجاهد: "إنّما كان نافلةً للنّبي عليه الصّلاة
والسّلام؛ لأنّه قد غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فكانت طاعته نافلة،
أي: زيادة في الثّواب، ولغيره كفّارة لذنوبه". ومع هذا الاختلافِ في
حكم قيام اللّيل بحقِّ رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- إلا أنّهم اتّفقوا على
كونه سُنةً على غيره من المُسلمين، فقد قال القحطانيّ في شرح أصول
الأحكام: "وقيام اللّيل سُنّة مُؤكّدة بالكتاب والسُنّة وإجماع الأُمّة".
فضل قيام الليل عدّد العُلماءُ بضعة َأمورٍ حثّت على قيام اللّيل وجعلت له
أفضليّةً خاصّة، منها:عناية النبيّ - عليه الصّلاة والسّلام - بقيام اللّيل
حتى تفطّرت قدماه، فقد كان يجتهدُ في القيام اجتهاداً عظيماً. قيامُ اللّيل من
أعظم أسبابِ دخول الجنّة. قيامُ اللّيل من أسباب رَفع الدّرجات في الجنّة.
المحافظونَ على قيام اللّيل مُحسنونَ مُستحقّون لرحمة الله وجنّته، فقد
مدح الله أهل قيام اللّيل، وعدَّهم في جملة عباده الأبرار. قيامُ اللّيل
مُكفِّرٌ للسّيئاتِ ومنهاةٌ للآثام. قيامُ اللّيل أفضل الصَّلاة بعد الفريضة.
شرفُ المؤمن قيام اللّيل. قيامُ اللّيل يُغْبَطُ عليه صاحبه لعظيم ثوابه،
فهو خير من الدّنيا وما فيها.
0 تعليقات